الأحد - 08 ديسمبر 2024 - الساعة 05:27 م
هلت علينا قبل أيام قلائل الذكرى الـ " 57 " لعيد الاستقلال الوطني " 30 نوفمبر " المجيدة ٠٠ اليوم التاريخي الذي رحل فيه آخر جندي بريطاني من عاصمة الجنوب " عدن " ٠٠ يوم الثلاثين من نوفمبر عام 1967م كان يوماً تاريخياً مشهوداً في تاريخ الجنوب العربي والمنطقة العربية ككل ٠
وقدم أبناء الجنوب أعظم التضحيات في سبيل الخلاص من جحيم المستعمر البريطاني ، والتي تمثلت في قوافل من الشهداء الذين قدموا دماءهم الزكية في سبيل الحرية والانعتاق والتحرر من هذا الاستعمار البغيض الذي جثم على أنفاس أبناء شعبنا الجنوبي طيلة 129 عاماً ، عانى خلالها أبناء الجنوب من شتى أنواع القهر والظلم والاستعباد .
هذا اليوم التاريخي المجيد ٠ ٠ يوم الثلاثين من نوفمبر من العام 1967م سيظل محفوظاً في ذاكرة أبناء شعبنا الجنوبي البطل ، والذي تم فيه إعلان الاستقلال الوطني للجنوب ، وتحرره بخروج آخر جندي بريطاني من العاصمة الجنوبية عدن ٠٠
إنه يوم الحرية وعيد الجلاء والاستقلال، والذي جاء تتويجاً لانتصار ثورة 14 أكتوبر 1963م التي انطلقت شرارتها الأولى من قمم جبال ردفان السماء ، لتعلن بدء مرحلة الكفاح المسلح الذي سالت خلالها أنهار من الدماء ، وذهبت فيها أرواح آلاف الشهداء الجنوبيين من أجل هذا اليوم التاريخي يوم الثلاثين من نوفمبر الذي تم فيه دحر الاحتلال البريطاني وإعلان الاستقلال ٠٠ إنه يوم انتصار إرادة شعب الجنوب الحر الذي لم يقهر ؛ واستطاع أن يقهر بإرادته الحرة والفولاذية أعتى احتلال عرفه على مر التاريخ ليخرج منتصراً على قوات الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عن مستعمراتها الشمس ٠
30 من نوفمبر 1967م لم يكن مجرد استقلال ممنوح أو هبة من الاحتلال البريطاني ، بل كان نتاج لمرحلة من الكفاح المسلح خاضه فدائيو ثورة 14 أكتوبر ، وانتزعوا هذا الاستقلال انتزاعا وبقوة من أكبر احتلال عرفه العالم في كل بقاع الأرض ٠٠
وبهذه المناسبة الخالدة والمجيدة ٠٠ ذكرى عيد الاستقلال السابعة والخمسين حري بنا أن نستعرض المآثر البطولية التي خاضها شعبنا الجنوبي ، ونستذكر على سبيل المثال لا الحصر تلك الأدوار النضالية والملاحم البطولية التي سجلها ثوار جبهة حالمين كثاني جبهة مسلحة تم إعلانها بعد جبهة ردفان .
إعلان قيام الجبهة القومية :
ونتج عن الحوار بين حركة القوميين العرب والتنظيمات السياسية ( التنظيم الناصري وتنظيم القبائل وتنظيم الضباط والتنظيم الثوري لأحرار الجنوب المحتل وجبهة الإصلاح اليافعية ) إعلان قيام الجبهة القومية في أغسطس 1963م.. وبذلك أعلن عن قيام ثورة 14 أكتوبر بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل، فبدأت مرحلة جديدة من الكفاح السياسي والعسكري ضد الاحتلال ومن أجل تحقيق الاستقلال الوطني .
وقائع تاريخية :
وفي هذا الحيز أتحدث عن وقائع تاريخية ، مستشهداً بما وجدته في مذكرات والدي المناضل اللواء الركن المناضل عبدالله محمد عبدالقوي الحالمي أحد أفراد جيش التحرير لثورة ١٤ أكتوبر المجيدة رحمة الله عليه والتي أقتصصت منها أحداث ووقائع وشواهد متعلقة بالأدوار العظيمة لقيادة وأعضاء جبهة حالمين ، والتي تعد وثائق تاريخية لا يمكن إنكارها أو محاولة تزويرها كما يحصل في كتابة التاريخ من قبل أعداء الجنوب الذين عملوا ، وما زالوا يعملون إلى اليوم بمحاولات تحريف الحقائق التاريخية وتشويه الأدوار النضالية لثوار ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة ، ونسبها لغيرهم .
الأهمية الاستراتيجية والعسكرية لمنطقة حالمين :
وما جاء في سياق المذكرات أحاديث تم تدوينها على لسان المناضل الأكتوبري الفذ المجاهد عبدالله مطلق في شريط ذكرياته التي سجلت في المذكرات ، وتحدث عنها المناضل عبدالله مطلق في سلسلة أحاديثه مع وسائل الإعلام المختلفة وقال الفقيد المناضل عبدالله مطلق " عندما أدركت قيادة الثورة بمدى أهمية منطقة حالمين الاستراتيجية قررت أن تكون جبهة مسلحة كونها محاطة بسلاسل جبلية تتكون من منطقة (حبيل جبر والحبيلين) جنوباً و(الحواشب والضالع) غرباً و(الحصين والشعيب) شمالاً و(يافع) شرقاً الأمر الذي جعلها تشكل جبهة إسناد كفاحي وعمقاً استراتيجياً لجيش التحرير .
المناضل عبدالله مطلق صالح قائداً لجبهة حالمين :
ومن جانب آخر أسلط الضوء على جبهة " حالمين " مستشهداً بما كتبه مؤسسها وفارسها الأول المرحوم المناضل عبدالله مطلق صالح ، والذي قال في سياق ذكرياته ومذكراته هو الآخر : " إن قيادة الجبهة القومية في تعز أرسلت ، في ديسمبر 1963م، رسالة إلى قيادة التنظيم في عدن، احتوت على توجيه بتكليفي بالذهاب إلى حالمين وفتح جبهة قتالية، لتخفيف الضغط ولإسناد جبهة ردفان ، وتوسيع مساحات رقعة الثورة المسلحة ضد الاستعمار البريطاني .
وأضاف المناضل مطلق " توجهت حينها إلى (جبل القضاة) حالمين ، وهناك التقيت بالأخ المناضل/ عبدالله المجعلي قائد جبهة ردفان ومعه شخصان من أبناء مصر الشقيقة، وفي منزل الشيخ/ محمد مطلق عرفت منهم أنهم كانوا على علم بتكليفي من قبل " الهيئة التنفيذية" للجبهة القومية بفتح جبهة جديدة في حالمين.. وقررنا حينها القيام باختيار مجموعة من الشباب للجبهة والتوجه إلى تعز ، وبعد ان انهينا الدورة التدريبية العسكرية في تعز قمنا باستقطاب 70 شخصاً إلى الجبهة ، وقمنا بإجراء اتصالات مع المشايخ والشخصيات الاعتبارية والاجتماعية في منطقة حالمين، بهدف عقد صلح لإنهاء الثارات القبلية لتوحيد وتضافر كل الجهود والطاقات لمواجهة الاستعمار وطرده من كل شبر في الجنوب ..
وجاء في سياق المذكرات أن المناضل عبدالله مطلق رحمه الله ذهب يرافقه 50 ثائراً إلى قعطبة والتقى بالمناضلين طه مقبل ومحمد أحمد البيشي ومعهما اللواء/ فخري عامر من القيادة العسكرية المصرية ، الذين بدورهم قدموا لجبهة " حالمين " أول دفعة من الأسلحة والذخائر كالبنادق ورشاشات برن إنجليزية برنسيت ضد الدبابات والرصاص والألغام المضادة للآليات ومدفعين 3 هنش ومدفع 2 هنش والعبوات الناسفة، وإيصالها إلى مركز القيادة لجبهة حالمين في جبل القضاة، وتم تشكيل ثلاث فرق عسكرية هي: فرقة زرع الألغام، وفرقة العبوات الناسفة وفرقة حراسة مركز القيادة للجبهة .
أول عملية لجبهة حالمين ضد جحافل الاستعمار البريطاني :
أول عملية عسكرية قامت بها الجبهة كانت قيام الثوار بزرع الألغام ضد الدوريات العسكرية البريطانية على طول امتداد الطريق من الضالع إلى الشعيب في مطلع العام 1964م ، ثم قيام مكونة من 13 فدائيا بالهجوم على مركز خلة الإداري ، وهو ما أثار حفيظة بريطانيا فقامت بإرسال إنذار للشيخ مطلق صالح، تطلب فيه إيقاف مثل هذه الأعمال ما لم سوف يتعرض جبل القضاة إلى الهجوم من قبل القوات البريطانية ٠
قصف منطقة حالمين :
وفي شهر يونيو 1964م قامت طائرتان حربيتان بإنزال إنذارات إلى أهالي منطقة حالمين تطلب منهم مغادرة منازلهم خلال نصف ساعة، لأن المنطقة سيتم قصفها ، وبعد انتهاء مدة الإنذار أغارت خمس طائرات حربية على المنطقة وضربت المنازل في منطقة جرمل ، وأصيبت إحدى الطائرات بسلاح الثائر المناضل عبدالله سالم الغلابي ٠
أبرز العمليات العسكرية لثوار جبهة حالمين :
في 30 أغسطس 1964م، بدأ الطيران الإنجليزي بقصف منزل الشيخ/ محمد مطلق صالح والجبال المجاورة له اعتقاداً بوجود مخازن للسلاح وأماكن لتواجد الثوار واستمر القصف إلى المساء وتم تدمير المنزل كاملاً ، ثم خاض ثوار جيش التحرير معركة بطولية ضد الإنجليز ، وسقط المناضل علي شايف حسين كأول شهيد للجبهة وجرح المناضلان الشيخ محمد مطلق صالح وعلي بن علي صالح، وتكبد العدو تسعة قتلى وجرح عدد آخر من جنوده وولوا هاربين تاركين معداتهم العسكرية.
وفي 13/ 9/ 1964م قامت فرقة يقودها الثائر المناضل قاسم علي صالح بالهجوم على المركز الإنجليزي في حبيل المصداق وقد أسفر هذا الهجوم عن قتل ضابط إنجليزي.
وفي 18/ 10/ 1964م قامت فرقة بقيادة الأخ الشهيد/ محمد سعيد شعفل الكرب بوضع كمين لدورية بريطانية في سيلة (حلية) ونجح الهجوم في قتل صف ضابط برتبة عريف وجرح آخرين.
في 1/ 2/ 1965م قامت مجموعة من جيش التحرير بجبهة حالمين بالهجوم على (حبيل المصداق) حيث اصطدمت مع دورية للاحتلال في منطقة (لحمرين) واشتبكت معها في معركة ضارية أسفرت عن قتل سبعة من جنود العدو وعدد آخر من الجرحى، ومن جانب الثوار جرح المناضل/ محمد صالح لعجم، الذي قاد هذه العملية.
في 29/ 2/ 1965م قامت مجموعة من خمسة أشخاص بوضع ألغام في سيلة حردبة وتم تدمير دبابة إنجليزية مع طاقمها.
في 8/ 3/ 1965م قامت المجموعة نفسها بقيادة المناضل الشهيد/ محمد سعيد الكرب ومعه المناضل الشهيد/ محمد ناصر الرزة والمناضل/ مثنى قاسم وآخرون، بزرع لغم في الطريق المؤدي إلى المعسكر الإنجليزي في (حبيل المصداق) وتم تدمير سيارة لاندروفر وقتل ضابط برتبة ملازم.
وفي 25/ 4/ 1965م هاجمت فرقة من جيش التحرير دورية إنجليزية في خلة، وكرد فعل قامت خمس طائرات حربية إنجليزية بقصف نوبة المقنع والمناطق المجاورة لها جرمل وشباعين ولم تسفر عن أية خسائر.
وفي تاريخ 9/ 5/ 1965م قامت مجموعة بزرع ألغام مضادة للدبابات في منطقة الردوع أدى إلى نسف دبابة وكانت العملية بقيادة الشهيد/ محمد سعيد الكرب والشهيد محمد ناصر الرزة والمناضل/ محمد صالح لعجم والمناضل / مثنى قاسم النسري.
وفي 8 / 6/ 1965م قامت مجموعة تتكون من 30 مقاتلاً بقيادة المناضل الشهيد/ حيدرة مطلق صالح بالهجوم على مركز الشعيب.
وفي 4/ 6/ 1965م قامت مجموعة مكونة من 20 شخصاً بقيادة الشهيد المناضل/ محمد غالب الأنعمي بالهجوم على المركز الإداري (خلة).
في 29/ 7/ 1965م قامت طائرة استطلاع بريطانية بجولة حول المنطقة، وكان كل القصف تمهيداً لتقدم الجيش لاحتلال جبل القضاة وحشد قوة ضخمة للعدو على المنطقة وهي معلومات تم الحصول عليها من قبل عناصر موثوق بها في الجيش وتربطها علاقة وثيقة بالثورة وهما الشهيد الرائد عبدالقوي محمد المفلحي وقائد الكتيبة الرابعة الفقيد المناضل محمد سعيد بن شنظور ، وتم حينها توزيع فرق الثوار في المناطق والجبال،بالمنطقة ، وتشكيل فرقة خاصة لمراقبة الطرق المؤدية من حالمين إلى يافع بقيادة الشهيد عبدالقوي محمد الحالمي المكني " اليمني " ، وأصدرت لهم الأوامر باحتجاز أية أسلحة أو ذخائر مشتبه فيها ، والتنسيق مع جبهتي الضالع وردفان بدعم جبهة حالمين في حالة الهجوم عليها، وقد وفقت هذه الفرقة بضبط واحتجاز كميات كبيرة من الأسلحة المهربة عبر يافع .
وفي الجبهة الشرقية استمرت المقاومة بنفس تلك البسالة والبطولة حيث كبدوا العدو خسائر كبيرة وكان أبرز المقاتلين علي محسن صالح (داعر)، علي مثنى علي صلاح، عبدالله أحمد صالح، شايف علي سالم، الشهيد/ محمد غالب الأنعمي، عبد الله علي سالم، طاهر صالح سعيد، وحسين محمد أسعد، وعلي محمد سيف، ومحسن صالح السميح، وأحمد سعيد جبر، وحسين سيف أحمد، ومحمد علي سعيد، وعبدالخالق مثنى، ويحيى محمد أسعد وآخرين.
وقد استمرت المعركة بين الجانبين حتى الساعة السابعة إلا ربعاً مساءً حيث اضطر العدو بعدها للانسحاب وكانت خسارته في الجهة الغربية 9 قتلى وثلاثة عشر جريحاً ، بالإضافة إلى إصابة طائرة عمودية، وفي الجهة الشرقية كانت الخسائر: قتل قائد الكتيبة وستة آخرين وجرح 9 أفراد والاستيلاء على عدد كبير من الأسلحة والذخائر.
وقد استشهد من جانب الجبهة المناضل/ محمد غالب علي الأنعمي بالإضافة إلى تدمير عدد من المنازل. واستمر الطيران يمشط المنطقة يومياً من جرمل إلى الجبل لفترة امتدت حتى نهاية شهر ديسمبر 1965م، حيث أذيعت أخبار هذه المعارك من إذاعة صوت العرب من القاهرة
غيض من فيض :
هذا غيض من فيض للأدوار النضالية والملاحم البطولية التي سطرها قادة وثوار جبهة حالمين في سبيل التحرير والاستقلال من الاستعمار البريطاني وأعوانه ، وهناك الكثير من المآثر البطولية الأخرى التي لا يتسع الحيز لذكرها والتي سجلها أبناء منطقة حالمين في كل المراحل المختلفة ، ومنها في مواجهة الاحتلال اليمني خلال الفترة ما قبل وبعد ما تسمى بـ " الوحدة اليمنية المشؤومة التي ماتت في المهد .
للتذكير :
في هذا الحيز سلطنا الضوء على الأدوار النضالية التي اجترحها قيادة وأعضاء جبهة حالمين من الكفاح المسلح حتى نيل الاستقلال ، وهذا ليس إلا كأنموذج للتذكير بالمآثر البطولية لقادة وثوار جبهة حالمين ، وإنصافا للتاريخ فأن هناك بالمثل جبهات كثيرة لعبت أدوارا نضالية وسجلت ملاحم وبطولات وطنية في مواجهة المستعمر البريطاني في كل محافظات الجنوب ، وقدمت قوافل من الشهداء الأبطال منذ قيام ثورة 14 أكتوبر عام 1963 وحتى نيل الاستقلال الوطني الناجز في 30 نوفمبر من العام 1967م ، إضافة إلى نضالات شعبنا الجنوبي ضد الاحتلال اليمني منذ حرب صيف العام 1994م وحتى اليوم ، في سبيل التحرير ونيل الاستقلال الثاني واستعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية بحدود عام 1990م .